فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (18):

{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}
{الحُسْنَى}: الوعد بقبول استجابتهم، وذلك مِنْ أََجَلِّ الأشياءِ عندهم؛ فلا شيء أعزُّ على المحبِّ مِنْ قبولِ محبوبه منه شيئاً.
أما الذين لم يستجيبوا له فلو أَنّ لهم جميع ما في الأرض وأنفقوه عَمْداً لا يُقْبَلُ منهم، ولهم سوءُ الحساب، وهو المناقشة في الحساب، ثم مأواهم جهنم ودوام العذاب.

.تفسير الآية رقم (19):

{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)}
استفَهام في معنى النفي، أي لا يستوي البصير والضرير، ولا المقبول بالمردود بالحجبة، ولا المُؤَمَّل بالتقريب بالمُعَرَّض للتعذيب، ولا الذي أقصيناه عن شهودنا بالذي هديناه بوجودنا. إنما يتَّعِظُ مَنْ عقله له تشريف، دونَ مَنْ عقله له سببُ إقصاءً وتعنيف.

.تفسير الآية رقم (20):

{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)}
الوفاء بالعهد باستدامة العرفان، والوفاء بشرط الإحسان، والتوقيِّ من ارتكاب العصيان- بذلك أُبْرِمَ العقدُ يوم الميثاق والضمان.
وميثاقُ قومٍ ألا يعبدوا شيئاً، وميثاق قومٍ ألا يسألوا سواه.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)}
الذين يَصِلون الإيمان به بالإيمان بالأنبياء والرسل.
ويقال الذين يصلون أنفاسَهم بعضاً ببعض؛ فلا يتخلَّلُها نَفَسٌ لغير الله، ولا بغير الله، ولا في شهود غير الله.
ويقال يَصِلُون سَيْرَهم بِسُرَاهم في إقامة العبودية، والتبرِّي من الحول والقوة.
وقوله: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}: الخشية لجامٌ يُوقفُ المؤمنَ عن الرَّكْضِ في ميادين الهوى، وزِمامٌ يَجُرُّ إلى استدامة حكم التُّقَى.
وقوله: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} هو أن يبدو من الله ما لم يكونوا يحتسبون.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)}
قوله جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ}.
الصبر يختلف باختلاف الأغراض التي لأَجْلِها يصبر الصابر، فالعُبَّاد يصبرون لخوف العقوبة، والزهاد يصبرون طمعاً في المثوبة، وأصحاب الإرادة هم الذين صبروا ابتغاء وجهِ ربهم؛ وشرطُ هذا النوع من الصبر رَفْضُ ما يمنع من الوصول، واستدامةُ التوقي منه، فيدخل فيه ترك الشهوات، والتجردُ عن جميع الشواغل والعلاقات، فيصبر عن العِلَّةِ والزَّلةِ، وعن كل شيءٍ يشغل عن الله.
ومما يجب عليه الصبر الوقوفُ على حكم تَعزُّزٍ الحق، فإنَّه- سبحانه- يتفضِّل على الكافة من المجتهدين، ويتعزز- خصوصاً- على المريدين، فيمنحهم الصبر في أيام إرادتهم، فإذا صَدَقُوا في صبرهم جَادَ عليهم بتحقيق ما طلبوا.
قوله جلّ ذكره: {وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيةً}.
الأغنياء ينفقون أموالَهم. والعُبَّاد ينفقون نفوسَهم ويتحملون صنوف الاجتهاد، ويصبرون على أداء الفرائض والأوراد. والمريدون ينفقون قلوبهم فيسرعون إلى أداء الفرائض والأوراد ويصبرون إلى أن يبوحَ علم من الإقبال عليهم. وأمَّا المحبون فينفقون أرواحَهم.. وهي كما قيل:
ألستَ لي خَلَفاً كفى شَرَفَاً ** فما وراءًكَ لي قَصْدٌ ومطلوبُ

قوله جلّ ذكره: {وَيَدْرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيْئَةَ أُوَْلئِكَ لَهُمُ عُقْبَى الدَّارِ}.
يعاشرون الناس بِحُسْنِ الخلُق؛ فيبدأون بالإنصاف ولا يطلبون الانتصاف، وإِنْ عَامَلَهم أحدٌ بالجفاء قابلوه بالوفاء، وإِنْ أذنب إليهم قومٌ اعتذروا عنهم، وإن مرضوا عادوهم.

.تفسير الآيات (23- 24):

{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}
يتم النعمة عليهم بأن يجمع بينهم وبين مَن يُحبون صحبتهم مِنْ أقاربهم وأزواجهم، وقد ورد في الخبر: «المرءُ مع مَنْ أَحَب» فَمَنْ كان محبوبُه أمثالَه وأقاربَه حُشِرَ معهم، ومَنْ كان اليومَ بقلبه مع الله، فهو غداً مع الله، وفي الخبر: «أنا جليسُ مَنْ ذكرني» وهذا في العاجل، وأمَّا في الآجل، ففي الخبر: «الفقراء الصابرون جُلَسَاءُ الله يومَ القيامةِ».

.تفسير الآية رقم (25):

{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}
مَنْ كفر بعد إيمانه نَقَضَ عهدَ الإسلام في الظاهر، ومن رجع إلى أحكام العادة بعد سلوكه طريق الإرادة، فقد نقض عَهْدَه في السَّرَّاء فهذا مُرْتَدٌّ جهراً، وهذا مرتَدٌّ سِرَّاً، والمرتد جهراً عقوبته قطعُ رأسِه، والمرتد سِرَّاً عقوبته قَطْعُ سِرِّه.
وقوله: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ}، هو نقض قوله: {يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ} [الرعد: 21].
ويقال نقض العهد هو الاستعانة بالأغيار، وتَرْكُ الاكتفاء بالله الجبّار.
ويقال نَقْضُ العهد الرجوع إلى الاختيار والتدبير بعد شهودِ الأقدار، وملاحظة التقدير.
ويقال نقض العهد بِتَرْكِ نَفْسِه، ثم يعود إلى ما قال بتركه.

.تفسير الآية رقم (26):

{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)}
قوله جلّ ذكره: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ}.
يبسط الرزق للأغنياء ويُطَالِبُهم بالشكر؛ ويُضَيِّقُ على الفقراء ويطالبهم بالصبر. وَعَدَ الزيادةَ للشاكرين، ووعد المَعِيَّة للصابرين. للأغنياء الأموال بمزيدها، وللفقراء التجرد في الدارين عن طريفها وتليدها.
قوله جلّ ذكره: {وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ في الأَخِرَةِ إلاَّ مَتَاعٌ}.
فَرِحَ الأغنياءُ بزكاء أموالهم، وفَرِحَ الفقراء بصفاء أحوالهم.
{وَمَا الْحَيَاةُ في الأَخِرَةِ إلاَّ مَتَاعٌ} قليلٌ بالإضافة إلى ما وعدهم الله، فأموالُ الأغنياء- وإنْ كَثُرَت- قليلةٌ بالإضافة إلى ما وعَدَهم من وجود أفضاله، وأحوال الفقراء- وإنْ صَفَتْ- قليلة بالإضافة إلى ما وعدهم من شهود جماله وجلاله.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)}
{يُضِلُّ مَن يَشآءُ}: وهم الذين لم يشهدوا ما أعطى نبينا- صلى الله عليه وسلم- من الشواهد والبرهان حتى (...) الزيادة.
{وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ} [النور: 46]: وهم الذين أبصروا بعيون أسرارهم ما خُصَّ به من الأنوار فسكنوا بنور استبصارهم.

.تفسير الآية رقم (28):

{الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}
قومٌ اطمأنت قلوبُهم بذكرهم الله، وفي الذكر وَجَدُوا سَلْوَتَهم، وبالذكر وصلوا إلى صفوتهم. وقومٌ اطمأنت قلوبُهم بذكر الله فَذَكَرَهُمْ الله- سبحانه- بلطفه، وأَثْبَت الطمأنينةَ في قلوبهم على وجه التخصيص لهم.
ويقال إذا ذكروا أَنَّ الله ذَكَرَهم استروحت قلوبُهم، واستبشرت أرواحُهم، واستأنست أسرارُهم، قال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} لِمَا نالت بِذِكْرِهِ من الحياة، وإذا كان العبدُ لا يطمئن قلبُه بذكر الله، فذلك لِخَللٍ في قلبه، فليس قلبه بين القلوب الصحيحة.

.تفسير الآية رقم (29):

{الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)}
طابت أوقاتُهم وطابت نفوسُهم.
ويقال طوبى لمن قال له الحقُّ: طوبى.
طوبى لهم في الحال، وحُسْنُ المآب في المآل.

.تفسير الآية رقم (30):

{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
لئن أرسلناك بالنبوة إليهم فلقد أرسلنا قبلك كثيراً من الرسل، ولئن أصابك منهم بلاءٌ فلقد أصاب مَنْ قَبْلَكَ كثيرٌ من البلاء، فاصْبِرْ كما صَبَرُوا تُؤْجَرْ كما أُجِرُوا.
قوله جل ذكره: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّى لآَ إلَهَ إلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}.
لئن كفروا بنا فآمِنْ أنت، وإذا آمنتَ فلا تبالِ بِمَنْ جَحَد، فإِنَّك أنت المقصودُ من البَرِيَّة، والمخصوصُ بالرسالة والمحبة.
لو كان يجوز في وصفنا أن يكون لنا غرضٌ في أفعالنا.
ولو كان الغرض في الخِلْقَة فأنت سيد البَشَر، وأنت المخصوص من بين البشرية بحسن الإقبال، فهذا مخلوق يقول في مخلوق:
وكنتُ أَخَّرْتُ أوطاري لوقت ** فكان الوقت وقتك والسلام

وكنت أطالِبُ الدنيا بِحُبِّ ** فكنتَ الحُبَّ.. وانقطع الكلام

.تفسير الآية رقم (31):

{وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ أَنَّ قُرْءَاناً سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى بَلِ لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً}.
لو كان شيء من المخلوقات يظهر يغيرنا في الإيجاد لكان يحصل بهذا القرآن، ولكن المنشئ الله، والخير والشر جملةً من الله، والأمر كله لله. فإذا لم يكن شيء من الحدثان بالقرآن- والقرآن كلام الله العزيز- فلا تكون ذرة من النفي والإثبات لمخلوق.. فإن ذلك محال.
قوله جل ذكره: {أَفَلَمْ يَايْئَسِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً}.
معناه أفلم يعلم الذين آمنوا، ويقال أفلم ييأسوا من إيمانهم وقد علموا أنه من يهديه الحق فهو المهتدي؟
قوله جل ذكره: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةُ أَوْ تَحُلَّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِىَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ}.
يعني شؤمُ كُفْرِهم لا يزال واصلاً إليهم، ومقتصُّ فعلهم لاحِقٌ بهم أبداً.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)}
أنزل هذه الآية على جهة التسلية للرسول- صلى الله عليه وسلم- عما كان يلاقيه منهم. وكما أن هؤلاء في التكذيب جَرَوْا على نهجهم فنحن أَدَمْنَا سُنَّتَنَا في التعذيب معهم.

.تفسير الآية رقم (33):

{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)}
قوله جلّ ذكره: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ}.
الجواب فيه مضمر؛ أي أفمن هو مُجْرِي ومنشئ الخَلْقِ والمُطَّلِعُ عليهم، لا يَخْفَى عليه منهم شيءٌ كَمَنْ ليس كذلك؟ لا يستويان غداَ أبداً.
قوله جلّ ذكره: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِئُّونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ في الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القَوْلِ}.
قُل لهم أروني أي تأثير منهم، وأي نفع لكم فيهم، وأي ضرر لكم منهم؟ أتقولون ما يعلم الله بخلافه؟ وهذا معنى قوله: {بِمَا لاَ يَعْلَمُ}.
قوله جلّ ذكره: {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضِلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
أي قد تبين لكم أن ذلك من كيد الشيطان، وزين للذين كفروا مكرهم، وصاروا مصدودين عن الحق، مسدودة عليهم الطُّرُقُ، فإنَّ مَنْ أَضَلَّه حُكْمُه- سبحانه- لا يهديه أحدٌ قطعاً.

.تفسير الآية رقم (35):

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}
المَثَلُ أي الصفة، فصفة الجنة التي وعد المتقون هي أنها جنة تجري من تحتها الأنهار، وأُكُلُها دائم وظلها دائم، أي أن اللذاتِ فيها متصلةٌ. وإنما لهم جنات معجلة ومؤجلة، فالمؤجَّلَةُ ما ذكره الله- سبحانه- في نص القرآن، والمعجلة جنة الوقت.. والدرجات- من حيث البسط- فيها متصلة، ونفحاتُ الأُنْسِ لأربابها لا مقطوعة ولا ممنوعة.